الاثنين، 18 يوليو 2022

التصرف القانوني

 #اعرف_حقك_وقانونك⚖️🇾🇪

بحث حول #التصرف_القانوني👇🤩

🔷️المبحث الأول: مفهوم التصرف القانوني

يشكل القانون المدني شرياناً يمتد إلى كل فروع القانون، لذا كان من الطبيعي ونحن نتناول التصرف القانوني للدولة الصادر من جانب واحد أن نتعمق في دراسة جذوره الأساسية والتي استمدها من القانون المدني، إذ أن لفقهاء وكتاب القانون المدني فضلاً عن تدعيم هذا المفهوم على الصعيد الدولي.

ففي البلدان التي اعترف فيها الكتاب بالآثار القانونية لبعض أنواع التصرفات الصادرة من جانب واحد كانوا من الأوائل الذين اسندوا نفس الأثر إلى تصرفات الدولة على الصعيد الدولي، وعلى أية حال فان حتى وجهات نظر هؤلاء الفقهاء كانت قد اكتنفها أو تخللها مفاهيم القانون المدني أو أشبعت فترات طويلة لهذه المفاهيم.

وبناءً على ما تقدم كان لزاماً علينا ونحن في صدد تحديد مفهوم التصرف القانوني أن نبين التعريفات التي تناولت الموضوع ونميز بذلك التصرف القانوني عن الواقعة القانونية متجهين بالدراسة لتناول التصرف الدولي وليشمل هذا المبحث ما ذكرناه، فقد قسمناه إلى مطلبين:

💠المطلب الأول: التعريف بالتصرف القانوني بوجه عام.

💠المطلب الثاني: التعريف بالتصرف القانوني الدولي.


🔸️المطلب الأول: التعريف بالتصرف القانون بوجه عام

يُعد الفهم الصحيح لمعاني المصطلحات في كل تخصص أو فرع من فروع العلم والمعرفة من الأمور الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها لتحقيق أعلى درجات الاستفادة من أي موضوع ولا سيما موضوع دراستنا، إذ يحتاج الأمر إلى التعمق في فهم التصرف القانوني بشكل عام ولكي تكون الفكرة دقيقة عن هذا التصرف لابد لنا من أن نتناول المقصود بالتصرف لغةً واصطلاحاً في الفرع الأول ومميزين بين التصرف القانوني والواقعة القانونية في الفرع ثاني.


🔘الفرع الأول: المقصود بالتصرف القانوني

أصل التصرف لغةً: مأخوذ من مادة صرف، والصرف في مكانه الاكتساب وهو التصرف والاجتهاد، ومن معانيه أيضاً الحيلة، وهي القدرة على التصرف في الأشغال من اجل ذلك قال اللغويون صرفته في الأمر تصريفاً فتصرف، بمعنى قلبته فتقلب والتقلب في الأمور هو التصرف كيف يشاء([1]).

من خلال هذه المعاني نستدل على أن التصرف في اللغة هو العمل الذي يقوم به الإنسان، سواء أكان هذا العمل من الأعمال المحسوسة المشاهدة كقوله وفعله أو من الأعمال التي لا تحسس ولا تشاهد كأعمال القلب.

أما معنى التصرف في اصطلاح الفقهاء، فهو ما يصدر عن الشخص من قول أو فعل يترتب عليه شرعاً نتيجة من النتائج([2]).

وقد عرفه أحد الفقهاء بأنه الالتزام الذي يصدر عن الشخص فيرتب المشرع عليه أحكامه سواءً أكان بسيطاً أي من جانب واحد أو كان مركباً من التزامين متبادلين يتوقف أولهما على ثانيهما([3]).

كما عرفه أحد الفقهاء المسلمين بأنه كل ما يصدر عن شخص بارادته ويرتب عليه المشرع نتائج حقوقية([4]).

ويعرف أيضاً بأنه اتجاه الإرادة إلى إحداث أثر قانوني سواءً كان هذا الأثر هو إنشاء حق أو نقله أو تعديله أو إنهاءه([5]).

كما عرفه الدكتور مصطفى أحمد فؤاد بأنه إرادة تتجه إلى إحداث آثار قانونية تم إخراجها من مجال النوايا إلى عالم المحسوسات نتيجة التعبير عنها من جانب شخص طبيعي أو اعتباري على النحو الذي يرسمه النظام القانوني الذي ينتمي إليه التصرف([6]).

أما الدكتور توفيق حسن فرج([7]) فيقول (إن الأثر الذي يترتب على التصرف القانوني إنما يترتب لأن الإرادة قد اتجهت إلى إحداثه وهذا ما يميز التصرف القانوني عن الفعل المادي) ونود هنا أن نوضح ما قصده هو أن الأثر الذي يترتب في حالة التصرف يترتب لأن الإرادة اتجهت إلى ترتيب هذا الأثر، أما في حالة الفعل المادي فان الأثر يترتب من مجرد وجود الفعل.

هذا وقد ورد تعريف التصرف أيضاً في قاموس المصطلحات القانونية بأنه "التعبير عن الإرادة موجهاً لغرض إحداث آثار قانونية"([8]).

وعرف أيضاً بأنه "عملية قانونية مؤداها التعبير عن إرادة عامة أو خاصة، فردية أو جماعية" والتي يكون محلها أو هدفها إحداث نتائج قانونية (إنشاء قاعدة، تعديل مركز قانوني، خلق حق … الخ)([9]).

من خلال التعاريف السابقة لابد من توضيح مسألة هي أن أغلب الكتاب قد أطلقوا تسمية (التصرف)، وقلة قليلة استخدمت (العمل).

ونحن بدورنا نرى أن التسمية الصحيحة والتي سنستخدمها في دراستنا هذه هي التصرف وليس العمل وذلك لأن مصطلح العمل وكما ورد في قاموس المصطلحات القانوني (أية واقعة لم تكن بالضرورة قد قصدت من قبل فاعلها مثلاً الجناية تلزم صاحبها بتعويض الضرر المترتب، كذلك حيازة عقار خلال 30 سنة هي واقعة لكسب الملكية، القوة القاهرة تعفي المدين … الخ([10]).

فالعمل قد يكون إرادياً أو غير إرادي وقد يكون أيضاً ظاهرة طبيعية أو واقعة مادية والمهم هو أن القانون يرتب عليها آثاراً معينة.

بينما التصرف القانوني هو إرادي محض تتجه فيه الإرادة إلى إحداث نتائج قانونية معينة تمييزاً لها من الأعمال المادية وترجع إرادة الشخص المنفردة كالوقف والوصية والوعد بجائزة، وقد يرجع إلى إرادتين كما في العقد.


🔘الفرع الثاني

التصرف القانوني والواقعة القانونية

يعد التصرف القانوني أحد المصادر المباشرة للحق الذي يعتمد في وجوده على القانون فهو الذي يتولى حمايته وتنظيمه ومن ثم يعد القانون المصدر غير المباشر لجميع الحقوق، أما المصدر المباشر أو القريب الذي يستند إليه الحق وهو الذي يجعل شخصاً ينفرد به دون غيره فهي الواقعة القانونية بمعناها الواسع ويضيف فقيهنا السنهوري أن الوقائع بشكل عام هي مصادر الروابط القانونية والواقعة إما أن تكون طبيعية أو اختيارية والوقائع الاختيارية إما أن تكون أعمالاً مادية أو أعمالاً قانونية وهذه الأخيرة قد تكون صادرة عن جانب واحد أو صادرة عن جانبين، والقانون من ورائها محيط فهو الذي يحدد الآثار القانونية التي تترتب على الوقائع والأعمال([11]).

ويعرف الدكتور فتحي والي الواقعة القانونية بأنها كل تغيير في مركز موجود

يرتب القانون عليه أثراً قانونياً بأن يعطي للمركز الجديد وصفاً قانونياً جديداً،

ومن الضروري الإشارة إلى أن القانون لا ينظر إلى التصرفات القانونية نظرة واحدة

مما حدا بالفقه إلى تقسيمات علمية أهمها وأكثرها شيوعاً تقسيمها إلى

تصرفات قانونية وأعمال مادية وايجاد معيار دقيق كان ولا يزال مجالاً

للخلاف([12]).

ومن الضروري التنويه إلى وجود نوع من الأعمال أو المظاهر الإرادية التي لا تشكل تصرفات قانونية، أي أنها أعمال لا يعتد بها القانون ولا يُرتب عليها أثاراً قانونية في نظام قانوني ما، إذ كتب العميد ليون ديكي قائلاً "ليس من جدل في أن حياة البشر تحتوي على كمية معتبرة من المظاهر الإرادية التي لا تشكل تصرفات قانونية، بل وتكون أيضاً حسب التعبير الإنساني مما لا يعبأ القانون بها، يقول لا أدري أي مؤلف ألماني كتب يقول عندما

أقول لخادمي جون ناولني حذائي فثمة بالتأكيد عمل إلا أنه ليس تصرفاً قانونياً فهناك عمل لا يأبه به القانون"([13]).

نصل إلى أن التصرف القانوني هو إرادة تتجه إلى إحداث أثر قانوني، بينما الواقعة إما أن تخلو من إرادة أو أن الإرادة لا تتجه فيها إلى إحداث أثر قانوني وتعتبر الواقعة مصدراً مهماً للالتزام في سائر القوانين كالعمل غير المشروع والكسب دون سبب([14]).

والخلاصة أن التمييز بين الواقعة القانونية والتصرف القانوني ينحصر في أن التصرف القانوني ينفرد ببعض القواعد دون الوقائع القانونية: وتتمثل في دور الإرادة أولاً والإثبات ثانياً.

بالنسبة إلى دور الإرادة فهي العنصر الحاسم في وجود التصرف القانوني، إذ عرف بأنه إظهار للإرادة يقع بقصد أن يترتب على أثره تعديل في التركيب التنظيمي القانوني مع نية أن ينتج عنه أثر قانوني وهذا الأثر سينتفي عندما يكون هدف الشخص من تصرفه انتهاك القانون وليس تنفيذه مثاله الشخص الذي يرتكب جريمة بقصد أن يحكم عليه بالإدانة، هذا ليس تصرفاً قانونياً بل يدخل فيما يسميه Ihering بالمداعبة في القانون وهذه لا تستحق عناء الوقوف عندها([15]).

إذن، للإرادة دور في التصرف القانوني ودورها واضح على خلاف الواقعة سواء كانت بفعل الطبيعة أو التي بفعل الإنسان([16]).

أما الفارق الثاني فيكمن في إثبات الحق إذ أن الوقائع المادية يجوز إثباتها بجميع طرق الإثبات، إذ لا تستلزم نوعاً معيناً من الأدلة وإلا استحال إثباتها في أغلب الأحوال، أما التصرفات القانونية فالأصل إثباتها بالكتابة، أي بمعنى آخر تستلزم نوعاً معيناً من الأدلة ما عدا الإثبات بالشهادة.

ومما تقدم يتضح أن التصرف القانوني يتطلب في جوهره وجود إرادة معبر عنها من قبل شخص قانوني ما في نظام قانوني بقصد ترتيب آثار قانونية، فالتصرفات القانونية هي في الأصل أعمال مادية وهي تظل حبيسة المادة إلى أن يعتني بها نظام قانوني ما فيخرجها إلى نظامه ويرتب على حصولها آثاراً قانونية، وبعد استقرائنا للنظريات والآراء الفقهية التي تناولها فقهاء القانون الخاص في التمييز بين التصرف القانوني والواقعة لا نريد تناولها في دراستنا هذه توقياً للإطالة، فإننا نرى أن معيار التفرقة بين التصرف والواقعة يكمن في سلطان الإرادة، إذ في التصرف القانوني للإرادة سلطان أعطاه المشرع لها لتتمكن من تنظيم مصالح معينة وفقاً لرغبتها وذلك في حدود التنظيم القانوني، أما في الواقعة القانونية بمعناها الضيق فليس للإرادة أي سلطان بل يرتب القانون آثاره على مجرد وقوع الحدث.

ولابد من التنويه إلى أن الفقيه السنهوري يشير إلى أن فكرة التصرف القانوني ليست قاصرة على القانون الخاص بل تتعداها إلى فروع القانون عامةً، وأن البحث عن معيار للتفرقة يرجع إلى فقه القانون الخاص والعام على حد سواء ويعتقد -ونرى ان اعتقاده وجيه- أن فكرة التصرف القانوني هي ملك النظرية العامة للقانون، وهي بهذا يجب أن تفهم بنفس المعنى سواء في القانون العام أو الخاص([17]).


🔷️المطلب الثاني

التصرف القانوني للدولة

كنا قد انتهينا في المطلب الأول من هذا الفصل إلى بحث فكرة التصرف

القانوني بشكل عام والذي شكلت الإرادة أساساً لهذا التصرف هذه الإرادة قد تستهدف

إحداث آثار معينة تترتب عليها، ومن الطبيعي أن تستند هذه الإرادة إلى شخص طبيعي أو معنوي ومن المسلم به أن الإرادة لا تصدر إلا ممن يتصف بالشخصية القانونية حتى يتم الاعتداد بها.

وعليه قد تكون الدولة هي من أوجد التصرف القانوني إما بالارتباط مع غيرها من الدول أو بصورة منفردة ومن اجل تكوين فكرة عامة عن التصرف القانوني الدولي

لابد لنا من أن نتناول الموضوع من خلال فرعين نُسلط الضوء في الأول منه على تعريف التصرف القانوني للدولة، أما أنواع التصرفات القانونية الدولية فسيكون موضوعنا

للفرع الثاني.

🔘الفرع الأول :المقصود بالتصرف القانوني للدولة

ان كان التصرف القانوني –كما سبق لنا بيانه- إرادة خرجت إلى عالم المحسوسات بالطريقة التي يرسمها النظام القانوني المعني مستهدفة إحداث آثار قانونية معينة فتعريفنا للتصرف القانوني الدولي لا يتصور أن يخرج عن ذات المفهوم ولكن منظوراً إليه من وجهة نظر النظام القانوني الدولي.

وعلى هذا الأساس فان التصرف الدولي ما هو إلا إرادة عبر عنها شخص من أشخاص القانون الدولي العام([18]) بقصد ترتيب آثار قانونية معينة في إطار النظام القانوني الدولي([19]).

ويعرف الأستاذ (لويس دلبيز) التصرف القانوني تعريفاً ضمن هذا المعنى حيث يقول "أعني بالتصرفات القانونية الدولية التصرفات من أي طبيعة كانت اتفاقية أو الصادرة من جانب واحد والتي تشخص قاعدة من قواعد القانون الموجودة وذلك لتطبيقها على وضع معين، فالتصرفات القانونية تحتل مرتبة أدنى من المرتبة التي تمثلها مصادر القانون فهي لا تخلق قانوناً جديداً وإنما تكتفي بترسيخه بواسطة تعبير إرادي مطابق للقانون"([20]).

ولابد من بيان أن أساتذة القانون الدولي العام الذين اهتموا بدراسة موضوع التصرف القانوني الدولي قد انقسموا إلى عدة اتجاهات -في تحديد كون التصرف خاضعاً للقانون الدولي- وذلك طبقاً للزاوية التي ينظر كل منهم إلى هذا التصرف.

وبالطبع فان أنصار كل اتجاه يرون أن اتجاههم هو الاتجاه الأمثل وسنتناول فيما يأتي كلاً من هذه الاتجاهات الفقهية حتى نخلص إلى الاتجاه الذي نراه الأمثل.

الاتجاه الأول:

من أنصار هذا الاتجاه الفقيه تربيل، يرى (Triepel) أن أشخاص النظام القانوني الدولي الأساسيون هم الدول، أما الأشخاص الأساسيون للنظام القانوني الداخلي فهم الأفراد ويؤكد قوله أن على النظامين الدولي والداخلي يحكم علاقات مغايرة لتلك التي يحكمها النظام الآخر([21]).

بمعنى آخر أن التصرفات القانونية الدولية هي التي لا نتصور صدورها إلا من قبل الدول في علاقاتها بالدول الأخرى، أما إذا كانت تلك التصرفات صادرة من قبل الأفراد فيما بينهم أو بين دولة وبين أفراد معينين فانها تعتبر تصرفات داخلية. هذا ويتعين علينا أن نلاحظ أن التعريف التقليدي الذي يسود فقه القانون الدولي العام والذي يبرز دائماً العنصر الشكلي وذلك حيث تُنسب الإرادة إلى شخص القانون الدولي العام.

وفضلاً عن ذلك يعرف الأستاذ Morelli التصرف القانوني بأنه (تعبير عن إرادة تنسب إلى شخص القانون الدولي العام)([22]).

ومن الجدير بالذكر أن هذا المعيار منتقد، إذ قيل من جهة ليس بالإمكان الاعتماد على اختلاف المخاطبين بأحكام القانونين (الدولي والداخلي) لبيان طبيعة التصرف وذلك لأن القانون الدولي العام وإن توجه بخطابه المباشر إلى الدول إلا أنه لا يخاطب في نهاية الأمر إلا الأفراد([23]).

كما أنه لايمكن الاعتماد على المخاطب معياراً للتفرقة بين التصرفات القانونية وذلك لأن القانون الداخلي قد يخاطب الفرد والدولة بنفس القاعدة الدولية.

ويضيف الدكتور الغنيمي أنه من غير المتصور أن تندرج كل تصرفات الدولة في بوتقة القانون الدولي مشيراً بذلك إلى أن مسؤولية الدولة عن تصرفاتها يمكن أن تحكمها قواعد القانون الدولي العام وقواعد القانون الدولي الخاص كما يمكن أن يحكمها القانون المحلي([24]).

الاتجاه الثاني:

فقد أورد فكرته الفقيه الفرنسي جورج سل معتمداً في تعريف التصرف القانوني الدولي على طبيعة المراكز القانونية التي ينظمها، ويرى هذا الفقيه أن التصرف يعد دولياً إذ كان يعدل في مركز قانوني دولي، كما يكون داخلياً إذ كان من شأنه التعديل في مركز

قانوني داخلي([25]).

ولابد من القول بخصوص هذا الاتجاه أنه يجافي المنطق وذلك لأن الاعتماد على فكرة المراكز القانونية والتعويل عليها بوصفها فيصلاً للتفرقة بين كل من القانونين الدولي والداخلي أمر صعب جداً وذلك بسبب تداخل المراكز القانونية، إذ لا توجد حدود فاصلة بين القانونين الدولي والداخلي، إذ كما يذهب أستاذنا الدكتور عصام العطية قد يحيل أحد القانونين على الآخر في مواضيع كثيرة([26]).

الاتجاه الثالث:

ذهب الدكتور مصطفى أحمد فؤاد إلى أن المدافعين عن هذا الاتجاه قد اعتمدوا على القواعد المنظمة للتصرف، فيكون التصرف دولياً إذا وضع وفقاً للشروط والأوضاع الخاصة بالقانون الدولي، بينما يكون داخلياً إذا كانت شروطه وأوضاعه منظمة وفقاً لقواعد القانون الداخلي([27]).

وفي هذا الاتجاه عرف الفقيه (Eric Say) التصرف القانوني بأنه "تعبير عن إرادة شخص أو أكثر من أشخاص القانون الدولي بقصد ترتيب آثار قانونية وفقاً للشروط والأوضاع المقررة في القانون الدولي"([28]).

وفي نفس المعنى يقول الفقيه جاكي "ليس كافياً أن يكون لدى شخص من أشخاص القانون الدولي الإرادة لعمل تصرف قانوني دولي فالإرادة في حد ذاتها لا تملك أي أثر أو قيمة، والتصرف القانوني لا يمكن أن يُنشأ حقوقاً أو التزامات إلا لأن ضوابط القانون الدولي تقضي به"([29]).

وخلاصة القول أن هذا الاتجاه ينتهي إلى تعريف التصرف القانوني الدولي بأنه "وسيلة ينظمها القانون الدولي العام ويهدف إلى خلق قاعدة دولية أي حقوق والتزامات دولية".

بمعنى آخر كما ذهب الدكتور نزار العنبكي إلى أن الاختلاف بين التصرف الدولي والداخلي سيبرز فقط من خلال القانون واجب التطبيق وليس من خلال الوظيفة التي يؤديها التصرف([30]).

إلا أن هذا المعيار لم يسلم من النقد، إذ أن التصرف في بعض الأحيان قد يقوم بخلق القاعدة ومثاله قرارات المنظمات الدولية وهذا يعني أن التصرف سبق وجود القاعدة في حين يفترض المعيار الوظيفي (القاعدي) سبق وجود القاعدةفي حين يفترض المعيار الوظيفي (القاعدي) سبق وجود القاعدة للتصرف لكي يترتب الأثر القانوني وليس العكس، وكذلك أن هذا المعيار يفترض أن القواعد الدولية تحكم التصرفات القانونية الدولية فقط والحقيقة هي أنها قد تحكم تصرفات الدول ذاتها في مجال القانون الداخلي كحالة المعاهدات المنظمة لحقوق الإنسان([31]).

أما الاتجاه الأخير: فقد صاغه الدكتور مصطفى أحمد فؤاد ويقوم على فكرة المصالح الدولية ويبدأ بتعريف المصلحة بأنها "تلك المزايا المالية أو الأدبية التي يحصل عليها الشخص لدى استعماله لحق أو عند أدائه لعمل".

وخلاصة وجهة نظر الدكتور مصطفى أحمد فؤاد أن التصرف إذا مس مصلحة دولية فهو تصرف دولي وخضع لأحكام القانون الدولي وينتهي بتعريف التصرف القانوني بأنه "اتجاه إرادة شخص أو أكثر من أشخاص القانون الدولي إلى إحداث آثار قانونية في نطاق النظام القانوني الدولي على نحو من شأنه المساس بمصلحة دولية أو أكثر"([32]).

وبناءً على ما تقدم ومن خلال استعراضنا للاتجاهات التي تناولت التصرف القانوني الدولي نرى أن الذي يحدد كون التصرف القانوني ذا طابع دولي هو الهدف من التصرف أياً كان شكل التصرف والوسيلة المستخدمة المهم هو اتجاه إرادة شخص دولي إلى إحداثآثار قانونية أياً كانت الوسيلة التي يتوسل بها للوصول إلى تحقيق الأهداف التي تمس المجتمع الدولي.


🔘الفرع الثاني: أنواع التصرفات القانونية للدولة

لما كانت التصرفات الدولية تعبير حي عن حرية الدولة وسيادتها في ممارسة علاقاتها الدولية، فهي بالتأكيد لا تتقيد بأسلوب فني بعينه عند التعبير عن إرادتها، إذ نراها تلبس إرادتها ثوب المعاهدات الدولية عندما تقتضي مصالحها، وقد تنفرد باتخاذ تصرف نابع عن إرادتها المنفردة تارة أخرى وتهدف من ورائه إلزام نفسها أو تقييد إرادتها وفقاً لأهداف دولية ترجوها من تصرفها هذا.

وبناءً على ما تقدم سنلقي الضوء على التصرف الاتفاقي والتصرف الانفرادي بشيء من الايجاز في هذا الفرع من الدراسة.

أولاً. المعاهدات([33]):

من المسلم به أن لكل أشخاص القانون الدولي العام وللدولة بالذات الحق في إنشاء ما يشاؤون من اتفاقات وأن الاتفاقات لها من القوة الملزمة ما يجعلها مصدراً للحقوق والالتزامات فيما يتعلق بالعلاقات القائمة بين أطرافها، والى عهد ليس بالبعيد كانت المعاهدة هي الصورة المألوفة للاتفاق الدولي إلا أنه هناك صوراً أخرى متعددة أخذت مكانها في الحياة الدولية حتى لم تعد المعاهدة هي الصورة الوحيدة للاتفاقات الدولية وإن كانت الأهم ولم تزل.

وكتصرف اتفاقي لابد أن ترتبط إرادة الدولة التي تروم التعاقد مع إرادة غيرها ولا يشترط التزامن بل التلاحق بين الإرادتين حتى ينتج آثاراً من حقوق والتزامات، وهناك رأي يذهب إلى القول بأن (المعاهدات ليست سوى سلسلة من الأعمال الأحادية الجانب يتعلق بالمفاوضات، التوقيع، التصديق، صياغة التحفظات … الخ)([34]).

ونرد على هذا الرأي بالقول لا يمكن إنكار الطبيعة التعاقدية للمعاهدة التي تعمل على ربط الالتزامات المتبادلة، فإذا ما سلمنا بأن كل معاهدة لا تتضمن سوى أعمال أحادية الجانب فان ذلك أمر خاطئ ونصوره بالتحديد مثل الخطأ الذي يعمل على تجزئة السينما إلى سلسلة من الصور الثابتة، فالمعاهدة على حد قول تربيل ما هي إلا (عقدة تعاقدية) لا يمكن إنكارها تعمل على ربط الالتزامات المتبادلة الآن وفي المستقبل.

وقد عرف المعاهدة الفقيه ماكنير بأنها "اتفاق مكتوب بين دولتين أو أكثر تستهدف خلق علاقة للتعاون بينهم ضمن نطاق القانون الدولي"([35]).

كما عرفها هانس كلسن "اتفاق عادةً ما يتم بين دولتين أو أكثر في ضوء القانون الدولي العام"([36]).

كما ورد تعريف المعاهدة في اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 بأنها "اتفاق دولي يعقد بين دولتين أو أكثر كتابةً وتخضع للقانون الدولي سواءً تم في وثيقة واحدة أو أكثر اياً كانت التسمية التي تطبق عليه"([37]).

هذا وتعتبر المعاهدات من أنجع الوسائل التي تستطيع بها الدولة مباشرة اختصاصها ومزاولة نشاطها، فمن أجل إقامة علاقات دولية قائمة على الثقة والتعاون المتبادلين أوجب على الدول أن تسلك وبوجه عام السلوك الذي لا يضر بالدول الأخرى ضرراً كان من الممكن تفاديه أو تجنبه، هذا الواجب يجد في قوانين عالم اليوم كما وجد في قوانين وشرائع الأمس أرحب مكان، بل ستزداد قيمة هذا الواجب وأهميته كلما تقدمت البشرية وتطورت لأن هذا التطور والتقدم سيخلق أنواعاً جديدة من العلاقات لم تكن موجودة من قبل ومصالح ذات طبيعة معقدة تحمل في طياتها أوسع الفرص والاحتمالات في تسبيب الأضرار بين الدول.

لذا أصبح لزاماً على الدول احترام السيادة الوطنية للدول الأخرى والعلاقة القائمة على المساواة في الحقوق والواجبات ومن ثم كان للاتفاق والرضا المركز الأول في ميدان العلاقات الدولية وأصبحت المعاهدة الوسيلة الطبيعية لتنظيم العلاقات الدولية.

ولأهمية المعاهدات نرى أن أغلب فقهاء وكتاب القانون الدولي قد خصصوا للمعاهدة حيزاً من دراساتهم ومنهم من أفرد لها فصولاً مسهبة ، إذ تناولوا المعاهدات من حيث أهميتها وأنواعها ومراحلها وشروط صحتها والآثار المترتب عليها … الخ.

وبدورنا نحيل إلى هذه الدراسات ونكتفي بهذا القدر توضيحاً مبسطاً للمعاهدات لأننا سنركز اهتمامنا على التصرفات أحادية الجانب التي تقوم بها الدولة.


ثانياً. التصرفات أحادية الجانب:

إذا كانت التصرفات الدولية الناتجة عن ارتباط إرادتين قد حظيت بما تستحق من كتابات ونقاشات حتى لا نتصور أن يخلو مؤلف في القانون الدولي العام إلا وأشار إلى المعاهدات، بينما لم نلحظ هذا الأمر بالنسبة إلى التصرفات الصادرة من جانب واحد، إذ لم تنال الأهمية التي تستحقها وفضلاً عن ذلك نجد أن من تناولها بالدراسة لم يعطيها تلك الأهمية المتميزة التي تتناسب ودورها في العلاقات الدولية كما لم يتم الاعتراف بها بوصفها المصدر المستقل من مصادر القانون الدولي العام.

وقد تناول الفقيه بيير فيلاس تعريفها بأنها "العمليات التي تنشأ بمقتضاها إرادة منفردة تتمتع بالشخصية القانونية مراكز قانونية جديدة في مواجهة أشخاص آخرين في الجماعة الدولية([38]).

وقد قال عنها الأستاذ Dinh بأنها "العمل المنسوب إلى موضوع واحد في القانون الدولي فالنمو المتزايد والواسع لهذا النوع من الأعمال يرتبط بكل وضوح بتعددية مواضيع القانون الدولي"([39]).

وتعد التصرفات أحادية الجانب متكررة في الحياة الدولية وتعتبر ذات شكل ومحتوى مختلف إلى درجة كبيرة وذلك لتعدد وتنوع العلاقات الدولية وتعتبر ذات مدى واسع في العلاقات الدولية ذات الطابع القانوني فضلاً عن أثرها السياسي.7


________________________________________

[1]() المحيط، معجم لغوي علمي للفيروزآبادي، ج4، ص161-162، المنجد في اللغة والأدب والعلوم، ص165، مختار الصحاح، لمحمد بن أبي بكر الرازي، دار الكتاب العربي، ص361.

[2]() د. محمود محمد الطنطاوي، حقيقة التصرف وأقسامه، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، العدد الأول، السنة 15، 1973، مطبعة جامعة عين شمس، ص1. نقلاً عن الشيخ محمد زكريا البرديس في بحثه التصرف الإسقاطي المنشور في مجلة إدارة قضايا الحكومة، العدد 2، السنة 12.

[3]() د. محمود محمد الطنطاوي، مصدر سابق، ص2.

[4]() مصطفى أحمد الزرقاء، المدخل الفقي العام، الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد، بدون سنة طبع، ص288.

[5]() د. محمد شكري سرور، النظرية العامة للحق، ط1، دار الفكر العربي، 1979، ص119.

[6]() د. مصطفى أحمد فؤاد، النظرية العامة للتصرفات الدولية الصادرة عن الإرادة المنفردة، منشأة المعارف بالإسكندرية، 1984، ص17.

[7]() د. توفيق حسن فرج، المدخل للعلوم القانونية، الكتاب الأول، الإسكندرية، 1961، ص314.

[8]() Raymond GuilliEn et Jean Vincent, LexiQue De termes JuridiQues, DALLOZ, 1972, P.7.

[9]() Gerard Cornu Vocbulaire Juridioue, presses Universitai Res De France, Paris, 2000, P.16.

[10]() Gerard Cornu, Op.Cit., P.374.

[11]() د. عبد الرزاق السنهوري، نظرية العقد، دار الفكر للطباعة والنشر، القاهرة، 1934، ص74.

[12]() د. فتحي والي، دروس في النظرية العامة للعمل الإجرائي لطلبة دبلوم القانون الخاص من جامعة القاهرة، 1973-1974، ص33-35.

[13]() العميد ليون ديكي، دروس في القانون العام، ترجمة د. رشدي خالد التكريتي، مركز البحوث القانونية، وزارة العدل، بغداد، 1981، ص36.

[14]() د. حسن علي الذنون، النظرية العامة للالتزام، ج1، بغداد، 1976، ص26.

[15]() العميد ليون ديكي، مصدر سابق، ص35-36.

[16]() إذا كانت الواقعة بفعل الإنسان فان القانون يرتب عليها أثراً بغض النظر عن نية الفاعل أو الدور الذي تدخلت فيه، أنظر: د. توفيق حسن فرج، مصدر سابق، ص862.

[17]() د. عبد الرزاق السنهوري، الواقعة القانونية والتصرف القانوني، محاضرات ألقيت على طلبة الدكتوراه في جامعة القاهرة، 1953-1954، ص4.

[18]() وهذا وتخضع التصرفات أحادية الجانب التي تقوم بها المنظمات الدولية لقواعد متماثلة مع تلك القواعد التي تنطبق على التصرفات التي تقوم بها الدول عندما يكون لها علاقات مع دول أخرى أو أشخاص آخرين في القانون الدولي، ولتصرفات المنظمات مع الدول علاقات منظمة ولها آثار معترف بها في المعاهدة التأسيسية، ولا تثير مسألة الآثار أية صعوبات مادامت ترتكز في نهاية المطاف على رغبة الدول المؤسسة لهذه المنظمة.

لمزيد من التفصيل عن تصرفات المنظمات الدولية الأحادية الجانب، أنظر:

- Joe Verhoeven, Droit international public Larcier, Broxells, 2000, PP.444-488.

[19]() أنظر: د. مصطفى أحمد فؤاد، مصدر سابق، ص18.

[20]() Louis DELBEZ Les principles peneraux du droit international public, Paris, 1969, L.G.d.J., P.53.

[21]() Triepel Les rapports enter Le droit interne et Le droit international, R: C: A: D: j (i) 1923/ 1. Tome,. PP.77-121.

نقلاً عن: د. مصطفى أحمد فؤاد، مصدر سابق، ص18.

[22]() V.D.DEGAN, Sources of International Law, Volume 27, Netherlands, 1997, P.157.

[23]() أنظر: د. محمد سامي عبد الحميد، أصول القانون الدولي العام، القاعدة الدولية، ج1، ط2، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1974، ص113.

[24]() د. محمد طلعت الغنيمي، الأحكام العامة في قانون الأمم، قانون السلام، ج1، منشأة المعارف، الإسكندرية، بدون تاريخ، ص210.

[25]() د. نزار العنبكي، في الالتزام الناشئ عن الوعد الصادر من جانب واحد وتطبيقاته في القانون الدولي العام، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية والسياسية، مج 6، العددان الأول والثاني، مطبعة العاني، بغداد، 1987، ص174.

[26]() د. عصام العطية، القانون الدولي العام، ط6، مديرية دار الكتب للطباعة والنشر، بغداد، 2001، ص74.

[27]() د. مصطفى أحمد فؤاد، مصدر سابق، ص23.

[28]() Eric Say, Les Acts jaridiques unilatereaux en droit international public, Paris, 1962, P.22.

[29]() Jean- Paul Jaque, Elements pour ane theorie de L’acte juridique en droit international public Bibliotheque de droit international, Paris, L.G.D.J, 1972, PP.73-74.

[30]() د. نزار العنبكي، مصدر سابق، ص177.

[31]() د. مصطفى أحمد فؤاد، مصدر سابق، ص ص 24-25.

[32]() في عرض هذا الاتجاه، أنظر: د. مصطفى أحمد فؤاد، مصدر سابق، ص26-31.

[33]() بشأن المعاهدات، أنظر:

- McNair, The Law of Treaties, Oxford, 1967, Hans Kelsen, Principles of International Law, Second edition, Hopkins University, 1967.

وأنظر أيضاً:

- د. محمد حافظ غانم، المعاهدات "دراسة لأحكام القانون الدولي وتطبيقاتها في العالم العربي"، محاضرات ألقاها على طلبة قسم الدراسات القانونية، مطبعة نهضة مصر، القاهرة، 1961.

[34]() Emmanuel Decaux, Droit international public, 2 edition, Dalloz, Paris, 1999, P.41


إعادة نشر #اعرف_حقك_وقانونك⚖️🇾🇪

https://www.facebook.com/Knowyourlegalrightyemen


تليجيرام 👈 https://t.me/Knowyourlegalright


#شارك_لنشر_الوعي_بالقانون

#اليمن🇾🇪

#معركة_الوعي 

#القانون_اليمني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق