#اعرف_حقك_وقانونك⚖️🇾🇪
☀️ قاعدة الجهل بالقانون 👇
إعداد القاضي أنيس جمعان
🔷️محاور الدراسة :
------------------
👈(1) المقدمة
👈(2) تعريف قاعدة عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون
👈(3) الاستثناءات الواردة على مبدأ لا جهل بالقانون
👈(4) موقف التشريعات القانونية من قاعدة الجهل بالقانون
🔶️أولاً: المقدمة :
➖➖➖
▪️تعتبر قاعدة عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون من القواعد المسلم بها في معظم دول العالم، و مؤداها أن التشريع متى أصبح نافذاً فإنه يسري في مواجهة جميع الأفراد المخاطبين بأحكامه، ولا يعفى أي منهم من الخضوع له، سواء علموا به أو لم يعلموا، وتسري قاعدة عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون في حق كافة الناس، فلا يحق لأحدهم أن يحتج بعدم علمه بأحكام القانون أياً كان سبب عدم العلم، وبما أن أساس قاعدة لا جهل بالقانون هو استقرار المصالح الاجتماعية وكفالة تطبيق القانون؛ فإن الجهل بالقانون حجة قد يتذرع بها أغلب المتهمين، وفي الوقت ذاته فإن إثبات العلم بالقانون أمر بالغ الصعوبة، وقد تعجز النيابة العامة عن تحقيقه، وهذا يعني براءة الكثير من المجرمين وإفلاتهم من العقاب وتملصهم من المسؤولية.
▪️لا يعتبر الجهل بالقانون عذراً، وهو مبدأ قانوني ثابت يبطل الأعذار التي يسوقها المدانون، بارتكاب ممارسات وأفعال مجرمة ليكون مصيرهم خلف القضبان أو دفع غرامات مالية أو تنفيذ إحدى العقوبات المندرجة في إطار الخدمة المجتمعية، أو غيرها من العقوبات التي يفرضها القانون، وتكمن مهمة الدولة بوضع التشريعات والقوانين المختلفة التي تنظم حياة أفراد المجتمع وتضبط سلوكياتهم وتحميهم من أي اعتداء على أي حق من حقوقهم، وفي المقابل على الفرد أن يعي ويفهم أهمية القوانين، وما هي السلوكيات المباحة والمجرمة، وما هي حقوقه والتزاماته.
▪️فهل يأخذ بعين الاعتبار مدى علمه بالقانون عند مسائلته؟!
▪️وهل الجهل بالقانون يعفي من المسؤولية الجنائية؟!
🔶️ثانياً : تعريف قاعدة عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون :
➖➖➖➖➖
▪️هو أن يدعي الشخص عدم معرفته بمضمون القانون، والمقصود بالشخص هنا مرتكب فعل يترتب عليه جزاء قانوني، فيدعي أنه لا يعلم بأن الفعل معاقب عليه،
فعدم العلم بالقانون لا يعوق تنفيذه فلا يقبل من أي أحد أن يعتذر بجهله القانون لعدم قدرته على القراءة ولا يجوز لشخص يعيش على أطراف حدود الدولة أن يدعي عدم علمه بالقانون لعدم وصول الجريدة الرسمية إلى هذا المكان، كما لا يجوز للأجنبي إن وجد على إقليم الدولة أن يخالف قواعد المرور بدعوى عدم علمه بهذه القواعد.
▪️ويعني مبدأ عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون هو افتراض علم الكافة بصدور القانون وما يتضمنه من احكامه ومنذ تأريخ نشره، او من تأريخ اخر يحدده القانون بالنص عليه فيه، وانه بمجرد نشر القانون ومضي المدة المقررة لنفاده فانه يطبق على جميع الناس، ويصبح ملزماً لهم، ولا يستطيع احد ان يتخلص من تطبيق حكمه بحجة انه لم يعلم بصدوره، فالقانون كما انه ملزم لكل الاشخاص المخاطبين بحكمه، الحاكم منهم والمحكوم، كامل الادراك وعديم الادراك، فهو يلزم كذلك من يعلم بالقانون او من يجهله، فلا يعذر احد بسبب جهله بالقانون، فاذا ما تكونت القاعدة القانونية وخرجت من مصدر من المصادر الرسمية، فهي تسري بحق المخاطبين بأحكامها دون استثناء، سواء أعلموا بها ام لم يعلموا، أي تطبق على كافة من تتوجه اليهم من اشخاص، فلا يعفى احد من الخضوع لا حكامها ، ويعبر عن ذلك بامتناع الاعتذار بالجهل بالقانون ، فلا يقبل من اياً كان الاحتجاج بجهله حكم قاعدة قانونية ليفلت من انطباقها عليه وسريانها في حقه، فجهل القاعدة القانونية لا يصلح عذراً يمنع او يعفي من انطباقها على احد ، فهي تسري في حق جميع المخاطبين بأحكامها، من علم بها ومن جهلها على السواء، فلا يقبل من احد ان يدعي بجهله قاعدة قانونية معينة لكي يحول دون تطبيقها عليه حين يكون هذا التطبيق واجباً.
▪️وبناء على ذلك، لا يمكن لعائد من الوطن أن يعتذر بجهله القانون الذي يسري في حقه، بحجة صدوره حالة وجوده خارج البلاد، كما لا يقبل نفس العذر من شخص أمي بحجة أنه لا يستطيع قراءة الجريدة الرسمية التي نشر فيها القانون، بل لا يجوز لأجنبي قدم إلى مصر وأتى ما يستوجب تطبيق القانون المصري عليه أن يعتذر بجهله حتى ولو كان حسن النية لأن حكم هذا القانون يخالف تماماً المعمول به في بلده.
▪️مما لا شك فيه ان الجهل بالقوانين يوقع افراد المجتمع في مشكلات جسيمة واخطاء هم في غنى عنها لو كلف كل شخص نفسه عناء البحث والاطلاع عن التشريعات. والقوانين فهي تتعلق بكل انشطة حياتنا اليومية وشتى تحركاتنا وعلاقاتنا الاجتماعية والتجارية والمدنية وغيرها، وإن المشرع في كثير من الدول جعل العلم بالقانون فرضا على الجميع، وحدد طرقا يتم بها نشر القوانين بحيث بعد نشرها لا يجوز لشخص ان يتذرع بجهله بقانون معين، حتى يتخلص من المسؤولية الجنائية، واوجد المشرع بين مبادئه القانونية مبدأ عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون.
▪️ومن المبادئ الأساسية في فقه القانون الوضعي مبدأ لا عذر بجهل القانون و مؤداه أنه لا يقبل من أي شخص أيا كان الاحتجاج بجهله بحكم قاعدة قانونية للتهرب و الإفلات من سريانها عليه إذ يفترض العلم بها بمجرد نشرها في الجريدة الرسمية لكن في ظل استحالة تحقق ذلك في حال قيام قوة قاهرة تحول دون وصول الجريدة الرسمية إلى جزء من إقليم الدولة لأي ظرف يمكن الخروج عن هذه القاعدة و من بين تلك الظروف انتشار و باء يؤدي إلى عزل منطقة عن باقي اقليم الدولة و هو ما ينطبق على الوضع الذي يعيشه العالم بسبب جائحة كورونا في ظل فرض عزل صحي على الأفراد تجلت أثاره في انقطاعهم عن العالم الخارجي ما يسمح بتكييفها بأنها قوة قاهرة تعطيهم حق التمسك بجهل القوانين الصادرة خلال فترة عزلهم.
▪️إن القاعدة القانونية ملزمة لكل الناس، أي أنها واجبة الاتباع لكي يُحترم القانون، لأن القانون جعل لكي يُحترم، أما ما نحن بصدده من مفهوم مبدأ عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون فذلك معناه انه لا يجوز لأحد أيا كان أن يقول إنني أجهل القانون ولا أعلم به، فالعلم بالقانون مفترض ولا يحتاج إلى دليل عليه، ويقال لا يُعذر المرء بجهله بالقانون لأن العلم به مفترض، ولا ضوابط لذلك، ومن شروط تطبيق المبدأ نشر القانون في الجريدة الرسمية، وبعد ذلك يكون العلم به مفترضاً، أما عن مبرراته، فكما سبق القول، ونحن بصدد الحديث عن خصائص القاعدة القانونية ان خصائصها العموم والتجريد والإلزام فهي تطبق على الكل فسواسية، وإذا تعذر المرء لجهله بالقانون فستسود الفوضى ويفلت المذنبون من العقاب، لأن من أبسط الأشياء أن يقول الناس اننا لا نعلم بالقانون ونجهله ولذلك جُعل هذا المبدأ كي لا تسود الفوضى، وكما سبق القول لا يُعذر المرء بجهله بالقانون مهما كانت هناك ظروف وأسباب هذا الجهل، فلا يجوز أن يتعذر الناس بجهلهم بالقانون، لذلك يُعمل بهذا المبدأ على إطلاقه ولا توجد أي استثناءات على هذا المبدأ، حيث والمشرع قد قرر وسيلة العلم بالقانون وهي بمجرد نشر القانون في الجريدة الرسمية، فالنشر هو المرحلة الأخيرة التي يمر بها القانون ليصبح بعدها ملزماً وواجب التطبيق على جميع المواطنين الذين تتناولهم أحكامه. والغاية من النشر؛ إعلام الناس بالقانون وإذاعته عليهم ليصبح ساري المفعول بالنسبة إليهم. فالقانون إذن يوجد بإقرار المجلس النيابي له، ويثبت وجوده بصورة رسمية ويصبح قابلاً للتنفيذ بإصداره من قبل رئيس الجمهورية، ولكن لا يمكن تنفيذه بالنسبة إلى المواطنين أو إلزامهم بتطبيقه إلا بعد أن يتم علمهم به، ويكون ذلك عن طريق نشره في الجريدة الرسمية، أما عن مدى كفاية تلك الوسيلة لكي يعلم الجميع علماً حقيقياً، فالعلم بالقانون مفترض ولا يجوز إثبات عكس ذلك الافتراض بأي حال من الأحوال، أي أنه لا يشترط العلم الحقيقي لأن ذلك الاحتمال محال أن يتحقق، لذلك فهو مفترض لا يجوز إثبات عكسه، أما عن أن تلك الوسيلة التي قررها المشرع للعلم بالقانون فهي بالقطع غير كافية للعمل الحقيقي، وإذا كان الناس لا يسعون إلى معرفة القوانين بعد نشرها في الجريدة الرسمية؛ فإن تبعة ذلك يجب أن تعود عليهم وحدهم لأنهم هم المقصرون، ومن هنا جاء المبدأ القائل إن الجهل بالقانون لا يعدُّ عذراَ.
🔶️ثالثاً: الاستثناءات الواردة على مبدأ لا جهل بالقانون :
➖➖➖➖➖
▪️هناك من الفقهاء من يرى أن في جواز تمسك الشخص بالقوة القاهرة أو بالغلط في القانون أو بالجهل بالقوانين الجزائية أو بالقوانين المدنية ذات الصلة بالقوانين الجزائية؛ الحق باستثنائه من قاعدة عدم جواز الاحتجاج بجهل القانون.
(1) القوة القاهرة :
-----------------------
▪️إذا استحال علم الشخص بالقانون بسبب قوة قاهرة حالت دون وصول الجريدة الرسمية إلى منطقة أو مناطق معينة من إقليم الدولة؛ فإنه لا يمكن الأخذ بمبدأ عدم الاحتجاج بجهل القانون، بل إن هذا المبدأ يُستبعد ويمكن الاحتجاج بجهل التشريع الجديد، وذلك حين زوال السبب الذي جعل العلم بهذا التشريع مستحيلاً، ووصول الجريدة الرسمية المتضمنة التشريع إلى الأشخاص المعنيين بحكمه، ومن أمثلة القوة القاهرة: احتلال العدو لإحدى مناطق الدولة، والزلزال، وغيرها من الظروف التي يستحيل معها علم الأفراد بالتشريع في الجريدة الرسمية، وأياً كان الرأي في هذا الاستثناء وتبريره، فهو من ناحية نادر التحقق اليوم أمام تقدم وسائل المواصلات وخاصة الجوية منها، وهو من ناحية أخرى قاصر على القواعد التشريعية؛ إذ هي وحدها التي تنشر في الجريدة الرسمية وتعدُّ معلومة للناس بهذا النشر، ومن ناحية ثالثة فإن الأمثلة التي صاغها الفقهاء للتدليل على القوة القاهرة لا تعدُّ في الحقيقة استثناء من قاعدة لا جهل بالقانون بل هي تطبيق لها. إذ إن عدم علم المواطنين مثلاً في إقليم احتله العدو بالتشريعات التي تصدر في أثناء الاحتلال؛ إنما يرجع إلى عدم استطاعة الاحتجاج قبلهم بنشرها، ذلك النشر الذي به وحده تنهض قرينة على افتراض علمهم بتلك التشريعات وليس إلى استحالة العلم بها استحالة مطلقة.
(2) الغلط في القانون :
---------------------------
▪️ ذهب بعض الفقهاء إلى التفريق بين الجهل والغلط، فقالوا: إن الجهل هو حالة ذهنية سلبية تعني عدم توافر صورة إدراكية عن الشيء في ذهن الشخص؛ بحيث يخلو العقل من هذه الصورة خلواً تاماً. أما الغلط فإنه على العكس من ذلك فهو يمثل حالة ذهنية إيجابية، حيث تقوم في العقل صورة إدراكية عن الشيء؛ أي يتوافر العلم به، بيد أنه علم مغلوط غير صحيح. وبعضهم يرى أن الفرق بينهما هو من ناحية الكم لا من ناحية الكيف، فالجهل يعني انعدام العلم بالشيء بصورة كلية، أما الغلط فهو العلم بالشيء علماً ناقصاً، مثلاً يجوز للمتعاقد الذي وقع في غلط في القانون أن يطلب إبطال العقد؛ متى كان هذا الغلط هو الدافع الرئيسي إلى التعاقد. فالعيب في الإرادة يتحقق إذا كان الغلط في واقعة من الوقائع، كمن يشتري تحفة ظناً منه أن لها قيمة أثرية ثم يتضح له خلاف ذلك. وقد يكون الغلط في القانون؛ أي غلط ينص على جهل المتعاقد لحكم القانون في مسـألة معينة فيتعاقد وفقاً لذلك، كأن يبيع الزوج نصيبه في الإرث ظناً أنه يرث الربع، ثم يتضح له أن نصيبه النصف لعدم وجود فرع وارث للزوجة، فالمتعاقد تعاقد نتيجة غلط في القانون ويكون له الحق في طلب إبطال العقد، إذ إن إبطال العقد يؤدي إلى التخلص من حكم القانون الذي يجعل العقد ملزماً. فالوارث مثلاً الذي يبيع حصته في التركة على اعتقاد أنها الربع في حين أن له نصف التركة طبقاً لقواعد الميراث؛ يكون له إبطال العقد الذي شاب إرادته في قدر الشيء المباع. والرجل الذي يهب مطلقته مالاً ظناً منه أنه استردها إلى عصمته فعادت زوجة له، وهو يجهل بذلك أن الطلاق الرجعي قد أصبح بائناً بانتهاء مدة العدة فلا ترجع إلى عصمته إلا بعقد زواج جديد؛ يكون له طلب إبطال الهبة على أساس الغلط الذي وقع فيه بشأن صفة جوهرية جديدة في شخص الموهوب لها، فالوارث الذي يجهل قواعد الميراث ويقع في غلط في قدر الحصة التي تفرضها له، ثم يطلب إبطال عقد البيع الذي اندفع إلى إبرامه تحت تأثير هذا الغلط؛ لا يتوصل بالحصول على الإبطال إلى منع سريان قواعد الميراث بحقه، فهي تظل سارية بحقه فيكون له نصف التركة كلما دعا الأمر إلى تمكينه من إبطال بيع حصته الذي اندفع إليه على اعتبار أنها الربع فقط، والرجل الذي يهب مطلقته مالاً ظناً منه أنها عادت إلى عصمته زوجة له غلطاً منه في أحكام الطلاق، ثم يطلب إبطال الهبة بعد اكتشاف الغلط؛ لا ينجو بهذا الإبطال من سريان قواعد الطلاق بحقه، فهي ملزمة له مع جهله بها، مما يظل الطلاق معه قائماً وبائناً بحيث لا يملك استرداد مطلقته إلى عصمته إلا بعقد جديد، وما دام تمكين المتعاقد من حق إبطال العقد في مثل هذه الفروض لا يحمل أي خروج على مبدأ امتناع الاحتجاج بجهل القانون، ومفهوماً على وجهه الصحيح؛ فإن هذا الإبطال هو المتفق ـ فضلاً عن ذلك ـ مع ما يجب لصحة العقود من تنزه الرضا فيها عن العيوب، ومن بينها عيب الغلط، فالأمر إذن هو سلامة الرضا وصحته، لا أمر منع تطبيق قاعدة قانونية بحجة الجهل بأحكامها.
----------------------
▪️الجهل بالقانون إما أن يكون واقعاً على وجود النص القانوني، كأن يجهل الشخص أن هناك نصاً قانونياً يجرّم الصيد في بعض شهور السنة، وإما أن يجهل تفسير القانون فيفهمه على غير الصورة التي يريدها الشارع، إضافة إلى اعتقاد الشخص أن نصاً من النصوص التي يعرف وجودها قد تم إلغاؤه لتقادم الزمن عليه، في حين أنه لم يلغ؛ لأن القوانين الجزائية لا تلغى إلا بمثلها صراحة ولا تسقط بعدم استعمالها فترات طويلة، والقاعدة أن الجهل بوجود القانون الجزائي أو في تفسيره أو الاعتقاد بإلغائه؛ ليس من شأنه أن يمحو المسؤولية أو يخففها في مفهوم القوانين التي تسير على قاعدة لا جهل بالقانون، وهذا هو مبدأ في الشريعة الإسلامية أيضاً؛ إذ إنه لا يقبل في دار الإسلام العذر بجهل الأحكام.
(4) الجهل أو العلم بقوانين أخرى غير قانون العقوبات ومرتبطة به لكي تقوم الجريمة :
----------------------
▪️قد يتطلب المشرع بالنسبة إلى بعض الجرائم العلم بقواعد القوانين الأخرى غير قانون العقوبات لكي تقوم الجريمة، كما هو الحال بالنسبة إلى صفة الزوج في جريمة الزنا؛ إذ يجب أن يعلم بتوافر هذه الصفة وقت ارتكاب فعل الزنا، والعلم بهذه الصفة يتطلب العلم بقواعد قانونية أخرى غير قانون العقوبات وهي قواعد قانون الأحوال الشخصية. وكذلك بالنسبة إلى صفة الموظف العام في جريمة الرشوة؛ إذ يتعين بالنسبة إليها العلم بقواعد القانون الإداري. وأيضاً بالنسبة إلى ملكية الغير في جريمة السرقة والاحتيال وإساءة الائتمان؛ إذ يلزم بالنسبة إليها العلم بقواعد الملكية التي ينص عليها القانون المدني وهكذا، فإذا كانت أحكام قانون العقوبات لا تؤدي إلى إعفاء مرتكب الجريمة من مسؤوليته الكاملة عند ارتكابها؛ فإن الجهل بأحكام أخرى للتقنين المدني يأخذ حكم الجهل بالقانون، ويؤدي إلى نفي القصد الجنائي ورفع المسؤولية عن الفاعل الذي كان يعتقد أنه يأتي فعلاً مشروعاً، وهذا معناه أن مبدأ عدم جواز الاحتجاج بجهل القانون لا يمتد تطبيقه إلى الجهل بالتشريعات غير الجنائية؛ إذ إن الجهل بهذه التشريعات الأخيرة يصلح عذراً يمنع من العقاب لانتفاء القصد، وقد نصت المادة (223) من تقنين العقوبات اللبناني صراحة على هذا الاستثناء بقولها: "لا يمكن لأحد أن يحتج بجهله الشريعة الجزائية أو تأويله إياها تأويلاً مغلوطاً فيه، غير أنه يعد مانعاً للعقاب الجهل أو الغلط الواقع على شريعة مدنية أو إدارية يتوقف عليها فرض العقوبة".
🔶️رابعاً: موقف التشريعات القانونية من قاعدة الجهل بالقانون :
➖➖➖➖➖
▪️تعتبر كثير من التشريعات أن الجهل بالقانون قاعدة قانونية وهي أن الجهل بالقانون ليس عذراً لمن يرتكب أي جرم، أي عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون لمن يرتكب أي جريمة ابتداءً من المخالفات ووصولاً للجنايات، وقد نص مثلاً على هذه القاعدة في قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960م في المادة (85): فكل قانون يتم تشريعه ينشر في الجريدة الرسمية ويعتبر نافذاً من تاريخ نشره، ويسري بحق كافة أفراد المجتمع سواء علموا به أم لم يعلموا ، فالتقصير بعدم العلم يأتي من الفرد وهذا ليس عذر، لا يحق لأحدهم أن يحتج بعدم علمه بأحكام القانون أياً كان سبب عدم العلم.
▪️وفي القانون اللبناني هناك حالات يجعل فيها المشرع اللبناني الجهل مانعاً من العقاب (أي يعتبر الفعل جريمة دون إنزال العقوبة لوجود مانع من العقاب)، وقد أورد ذلك في نص الفقرة (2) المادة 223 من قانون العقوبات اللبناني رقم 340 لسنة 1943م الصادر في تاريخ 1943/3/1م إنه لا يمكن لأحد أن يحتج بجهله الشريعة الجزائية أو تأويله إياها تأويلاً مغلوطاً فيه، غير أنه يعد مانعاً من العقاب الحالات التالية :
(1) الجهل أو الغلط الواقع على شريعة مدنية أو إدارية يتوقف عليها فرض العقوبة، وهذا يستوجب عدم توافر القصد الجرمي لدى الفاعل. وقد كرَّست المادة 206 من قانون الموجبات والعقود اللبناني جواز التذرع بالغلط القانوني الذي يعيب الرضى كالغلط العملي، ويؤدي إلى حق المطالبة بإبطال العقد. ومثال على ذلك، الإعتراف بالولد الناتج عن زواج غير قانوني إذا كان أحد الفريقين يعتقد أنه زواج صحيح، وصحة عقد العمل بين الأجير والمالك الظاهر للمؤسسة رغم أنه ليس المالك القانوني أو الفعلي لها.
(2) الجهل بشريعة جديدة إذا اقترف الجرم خلال الأيام الثلاثة التي تلت نشرها، فلا عقاب بحق من يقترف فعلاً أصبح معاقبًا عليه بموجب قانون جرى نشره خلال ثلاثة أيام على ارتكابه، ولا يُعتد بتاريخ تحقّق النتيجة الجرمية أو آثار الجريمة التي قد تمتدّ الى ما بعد تلك الفترة. وهذا يستوجب إثبات عدم العلم بصدور القانون عند ارتكاب الجرم؛ مثال على ذلك صدور قانون يُجرّم التعامل بعملة نقدية معينة، فلا يُعاقب من يقوم بتحويل مبلغ من المال بتلك العملة خلال ثلاثة أيام على تاريخ نشر هذا القانون، حتى لو استغرقت إجراءات التحويل أكثر من ثلاثة أيام، شرط ثبوت عدم علمه بصدور القانون المذكور.
(3) جهل الأجنبي بتجريم فعل لا تعاقب عليه شرائع بلاده أو شرائع البلاد التي كان مقيمًا فيها، وهذا يستوجب توافر عدة شروط مجتمعة، هي: أن يكون مرتكب الجريمة من جنسية أجنبية، وأن يكون قد ارتكبها خلال ثلاثة أيام من تاريخ قدومه إلى لبنان، وأن لا تكون للجريمة علاقة بالسيادة والنظام العام والآداب العامة، وأن لا تكون موضع عقاب في شرائع بلاده أو شرائع البلاد التي كان مقيمًا فيها. مثلاً الأجنبي القادم من بلاد تسمح بتعاطي حشيشة الكيف ويقوم بتعاطيها في لبنان خلال ثلاثة أيام من قدومه إليه من دون أن يكون عالماً بأن القانون اللبناني يُعاقب على تعاطيها.
▪️أما قانون العقوبات السوري رقم 148 لسنة 1949م الصادر في ﺗﺎرﯾﺦ 22/ 6/ 1949م، فهو كغيره من القوانين العربية الجزائية رفض الاحتجاج بجهل القوانين الجزائية أو تأويلها بصورة مغلوطة وتبنى قاعدة "لا جهل بالقانون" وافترض العلم بجميع أحكام القانون الجزائي، وهذا الافتراض غير قابل لإثبات العكس، كما لا يشترط إثباته. فقد جاءت الفقرة الأولى من المادة (222) من قانون العقوبات صريحة في النص على افتراض العلم بالقانون بقولها: "لا يمكن لأحد أن يحتج بجهله القانون الجزائي أو تأويله تأويلاً مغلوطاً". غير أنه يعد مانعاً للعقاب:
(أ) ـ الجهل القانون جديد إذا اقترف الجرم في خلال الأيام الثلاثة التي تلت نشره.
(ب) ـ جهل الأجنبي الذي قدم سورية منذ ثلاثة أيام على الأكثر بوجود جريمة مخالفة للقوانين الوضعية لا تعاقب عليها قوانين بلاده أو قوانين البلاد التي كان مقيماً فيها.
▪️وبالتالي فإن هذا الاستثناء يتعلق بحالة الأجنبي الذي لم يمض على قدومه لدولة غير دولته إلا أيام معدودة، ويرتكب خلال هذه الفترة فعلاً يجهل أنه جريمة وفقاً لتشريع هذه الدولة، فيصلح هذا الجهل عذراً ترفع منه العقوبة، ويشترط لتطبيق هذا النص عدة شروط: أن يكون الجاني أجنبياً؛ أي لا يتمتع بالجنسية السورية، ويستوي بعد ذلك أن يكون حاملاً جنسية أجنبية أو أكثر أو عديم الجنسية، وأن يكون قد ارتكب الفعل المكون لجريمته خلال ثلاثة أيام من تاريخ وصوله إلى سورية، وأن يكون هذا الفعل غير معاقب عليه وفقاً لتقنين العقوبات في الدولة التي يحمل جنسيتها أو شريعة الدولة التي كان مقيماً فيها قبل قدومه إلى سورية، وأن يجعل تجريم هذا الفعل لمخالفته للقوانين الوضعية؛ أي القوانين التي ترتبط بالمفاهيم السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية مثل قوانين الضرائب والنقد والمرور. وتطبيقاً لذلك لا يقبل الاحتجاج بالجهل بالقانون الذي يحمي القيم الأخلاقية المشتركة بين جماعة الدول المتمدنة، أو يحمي الحقوق الأساسية للإنسان في المجتمع المعاصر، كما هو الحال بالنسـبة إلى جرائم الاعتداء على الحياة أو سلامة الجسم أو العرض أو الشرف.
▪️وفي العراق منح حق الدفع في حالة القوة القاهرة، وذلك في نص المادة (37/ الفقرة 1) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، حيث أعطى القانون حق الدفع بجهل القانون في حالة الظروف القاهرة حيث نصت هذه المادة على ان ليس لاحد ان يحتج بجهله باحكام القانون او اي قانون عقابي اخر مالم يكن قد تعذر علمه بالقانون الذي يعاقبه على الجريمة بسبب القوة القاهرة. وحول جهل الأجنبي بأحكام قانون العقوبات للدولة التي نزل بها نصت القوانين الجزائية في بعض الدول على هذا الاستثناء، فقد جاء في الفقرة الثانية من المادة (37) من قانون العقوبات العراقي ما يلي: "للمحكمة أن تعفو من العقاب الأجنبي الذي يرتكب جريمة خلال سبعة أيام على الأكثر تمضي من تاريخ قدومه إلى العراق إذا ثبت جهله بالقانون وكان قانون محل إقامته لا يعاقب عليها".
▪️وفي دولة الأمارات العربية المتحدة
يعتبر الجهل بالقانون لا يعتبر عذراً، فعلى كل شخص أن يثقف نفسه لضمان حقوقه وحقوق الآخرين، إلى أنه يُقصد بقاعدة "الجهل بالقانون لا يعتبر عذراً" المحافظة على هيبة القوانين والتشريعات الناظمة، وتماسك المجتمع وضمان التزامه بالحقوق التي يكفلها القانون، فالجاني الذي يرتكب جريمة عمداً أو خطأً يُسأل عن ذلك الفعل، فلا يكون بوسعه أن يخرج عن القانون بحجة عدم علمه، ووفقاً للقانون، فقد نصت المادة 42 القانون العقوبات الاتحادي رقم 3 لسنة 1987 في دولة الأمارات العربية المتحدة على أنه "لا يعتبر الجهل بأحكام هذا القانون عذراً"، وتنص المادة 43 على أنه "يُسأل الجاني عن الجريمة، سواء ارتكبها عمداً أم خطأً، ما لم يشترط القانون العمد صراحة". وأن محاولة المتهمين التنصل من العقوبات الواردة في لائحة اتهاماتهم بالقول إنهم جاهلون بالقانون يعتبر من الدفوع والأقوال المرسلة التي لا يُعتدُّ بها، وبالتالي فإن العقوبات المنصوص عليها لتلك الأفعال ستطبق عليها، مع إمكانية تطبيق الحد الأدنى للعقوبة، في حال أرتأى القاضي ذلك.
▪️وفي اليمن الجهل بالقانون لا يعتبر عذراً، ولايقبل الاحتجاج به، فقد نصت المادة (37) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم 12 لسنة 1994م : (ولا يقبل الاحتجاج بجهل أحكام هذا القانون ومع ذلك يعتد بالجهل بقاعدة مقررة في قانون آخر متى ما كانت مُنصَبّةً على أمرٍ يعد عنصراً في الجريمة).
▪️ختاماً ..
إن قاعدة عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون (الجهل بالقانون) تسري على كافة القواعد القانونية، فهي ليست قاصرة على التشريع فقط، بل تمتد لتشمل كافة القواعد القانونية الأخرى مثل القواعد العرفية أو القواعد الدينية. فكما لا يستطيع أي رد أن يحتج بجهله قاعدة تشريعية معينة لاستبعاد تطبيقها، فهو لا يستطيع كذلك أن يحتج بجهله لقاعدة عرفية أو دينية.
المراجع :
-----------
(1) الجهل بالقانون المحامية ليلى خالد
(2) الجهل بالقانون.. هل يعفي من المسؤولية (Ahmed Atef )
(3) مبدأ لا جهل بالقانون- محمد ياسر عياش- الموسوعة العربية
(3) مبدأ عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون لتحقيق الاستقرار المالي- علي حميد كاظم الشكري- 27 / 6 / 2021- المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
(4) الجهل في القانون ممنوع أن لا تعرف - د. نادر عبد العزيز شافي- الموقع الرسمي للجيش اللبناني
(5) قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960م
(6) قانون العقوبات اللبناني رقم 340 لسنة 1943م
(7) قانون العقوبات السوري رقم 148 لسنة 1949م
(8) قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969
(9) القانون العقوبات الاتحادي رقم 3 لسنة 1987 في دولة الأمارات العربية المتحدة
(10) القانون رقم 12 لسنة 1994 بشان الجرائم والعقوبات اليمني
------------------
▪️تم النشر في مدونة القاضي أنيس جمعـان في facebook بتاريخ 7 يونيو 2022م
============
إعادة نشر #اعرف_حقك_وقانونك⚖️🇾🇪
https://www.facebook.com/Knowyourlegalrightyemen
تليجيرام 👈 https://t.me/Knowyourlegalright
#شارك_لنشر_الوعي_بالقانون
#اليمن🇾🇪
#معركة_الوعي
#القانون_اليمني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق